التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مكارم الأخلاق في الرسالة المحمدية - خطبة الجمعة



مكارم الأخلاق في الرسالة المحمدية
" للشيخ / محمد حســــن داود "

العناصــــــــــــــــــــــــــر
• 1 - الإسلام دين مكارم الأخلاق .
• 2 - نبذة عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم .
• 3 – صور من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
• 4 - عناية الإسلام بسلوك المسلم .
• 5 - اثر الأخلاق الحسنة على الفرد والمجتمع .
• 6 - اثر سوء الخلق على الفرد والمجتمع .
• 7 – حاجتنا إلى التخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم .

الموضــــــــــــــــــــــــــوع
الحمد لله رب العالمين، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى اله و صحبه أجمعين.
• أما بعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد

لقد جاءت الرسالة المحمدية لتزكية النفوس وتقويم الأخلاق وإصلاح الباطن والظاهر ؛ جاءت الرسالة المحمدية لتحقق أنبل الطباع وأحسن الأخلاق وأصلح الخصال، رسالة أشرقت بنورها الأرض وأضاءت الدنيا ببهجتها ، رسالة تضمنت الزكاة والصلاح لحياة الناس أجمعين ،فما من شيء تدعو إليه الفطر السليمة والعقول الحكيمة إلا ودعت إليه هذه الرسالة ورغبت فيه ،وما من شيء ترفضه العقول السليمة والطباع المستقيمة إلا ونهت عنه هذه الرسالة وحذرت منه ؛ ومن أهم ما دعت إليه الرسالة المحمدية مكارم الأخلاق، بل لا تعجب أخي المسلم إن قلت لك أن غاية هذه الرسالة هي إتمام وإصلاح مكارم الأخلاق ؛ نعم إن الغاية التي بعث من أجلها المعصوم هي مكارم الأخلاق ، وهاهو من اتصف بقمة الكمال الإنساني وغاية النبل البشري - المصطفى صلى الله عليه وسلم - يعلن هذا للعالم كله قائلا " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" .رواه أحمد
ومن ثم أوصى صلى الله عليه وسلم أصحابه بل والأمة جميعها بحسن الأخلاق – إذ يقول " اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ "
لقد اهتم الإسلام اهتماما بالغا بالأخلاق ويظهر ذلك جليا في ارتباطها بالعبادات ، فارتباط الأخلاق بالعقيدة ارتباط وثيق جدًّا،فكلُّ عبادة فَرضها الله على المسلمين، ليس المقصود منها مجرد هَيْكلها المادي وصورتها الظَّاهرية، وإنما المقصود منها أيضا روحها ولبها، الذي يهذب الخلُق، ويصلح النفس، ويباعد بينها وبين الشُّرور والآثام، ويرقى بها نحو محاسن الأخلاق ومكارمها ،
فالصلاة بسجودها وركوعها وأذكارها تطهِّر النفس من الكبر ، وتذكِّر النفس بالاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى ، وتذكرها دائما بوقوفها للحساب يوم القيامة ، فتنهى صاحبها ومقيمها عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ العنكبوت 45
وكذلك الزكاة تطهير للنفس البشرية من رذيلة البخل والشح والطمع والجشع،وتجعل الإنسان متعاونا حريصا على أخيه المسلم، إذ يواسى الفقراء ،و يسد حاجتهم ،و يساعد البؤساء منهم و المحرومين، ويقيم المصالح العامة التي تتوقف عليها حياة الأمة وسعادتها ، قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة 103.
وفي الصيام تعويد للنفس على ضبط شهوتَي البطن والفرج، و الرقى إلى أعلى درجة المتقين، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة 183.
كما انه سبب مباشر لضبط سلوك الإنسان والرقى بأخلاقه ،فلا معنى لظاهر الصيام إن لم تتأدب النفوس و تطهر القلوب
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ" صحيح ابن خزيمة
و لك أن ترى كيف أن الحج يبث القيم الأخلاقية الأصيلة في النفوس البشرية ،وكيف أن له التأثير في تربية النفس الإنسانية ، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة 197
كما أن الإيمان له صلة وثيقة جدا بسلوك المسلم وخلقه ، فبقدر ما مع العبد من استقامة الخلق بقدر ما معه من استقامة الدين؛ فخلق العبد هو ميزان ألإيمان ، ينقص الإيمان ويزيد بمقدار خلقه، قال صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا-"سنن أبى داود – صحيح الالبانى.
قال الفيروز آبادي -رحمه الله تعالى )اعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق؛ زاد عليك في الدين ) .
وفى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يكون دليلا دامغا على أن الإيمان له الارتباط الوثيق بالسلوك الحسن والخلق الحميد : فقد قال صلى اله عليه وسلم " لا يَزني الزَّاني حِينَ يَزني وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَسرِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَنتَهِبُ نُهبَةً يَرفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ
، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ " قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الَّذِي لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ،
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه .
وسئل صلى الله عليه وسلم : أيكذب المؤمن ؟ قال: (لا) ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النحل105.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ وَقَالَ إنِّي مُسلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ.
المسلمون الأخيار
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم جملة من الأخلاق الحسنة فما من خلق كريم إلا وكان هو أهله ، وما من خلق ذميم إلا كان بينه وبين رسول الله أمدا بعيدا لا يصل إليه أبدا ، قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )القلم4
نعم ؛ كان صلى الله عليه وسلم جملة من الأخلاق والكرم والزهد والتواضع والحلم ، كان زاهدا في مأكله ومشربة وملبسة و كان ينام على الحصير ويأكل مع الفقراء ، ويأكل مع خادمة ويساعد في مهنة أهله ويقضي حاجة الضعيف والبائس ،و لما سئلت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم من سعيد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة ، قَالَت له : أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ ؟
قُال : بَلَى ،قَالَت : فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ .
يقول ابن كثير في تفسيره : ومعنى هذا أنه ، عليه السلام ، صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له ، وخلقا تطبعه ، وترك طبعه الجبلي ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه . هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم ، من الحياء ، والكرم والشجاعة ، والصفح ، والحلم ، وكل خلق جميل . كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال : خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي : " أف " قط ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلته ؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا ، ولا مسست خزا ، ولا حريرا ، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ *** ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
فهو صلى الله عليه وسلم أصدق البشر؛ كلامه حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادّاً أو مازحاً، قال تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) النجم 1-3
وها هى بطون قريش تشهد له صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : " لَمَّا نَزَلَتْ : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ سورة الشعراء آية 214 صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا ، فَجَعَلَ يُنَادِي يَا بَنِي فِهْرٍ ، يَا بَنِي عَدِيٍّ ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ ، أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ ، فَقَالَ : " أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا ، قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ : تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا ، فَنَزَلَتْ : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ { 1 } مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ { 2 } سورة المسد آية 1-2 " .
كما كان أكثر الناس حياء فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا, وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ"(متفق عليه)
وكان أكرم وأجود الخلق ،فلما تعلّق الأعراب به يسألونه أن يقسم بينهم الغنائم في مرجعه من حنين، فقال : " لو كان لي عدد هذه العضاة نعما ـ أي: إبلا ـ لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا " .
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يؤثر على نفسه وعلى أهل بيته، ويعطي العطاء وهو إليه محتاج، فعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا ، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ ؟ , قَالُوا : الشَّمْلَةُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَتْ : نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ , فَقَالَ : اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا ؟ , قَالَ : الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي ؟ " , قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ كَفَنَهُ . البخاري
وكيف يمنع بردته وقد اثر أمته بأعز وأفضل وأعظم من ذلك ألا وهى دعوته المستجابة ،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا " . مسلم
كما كان صلى الله عليه وسلم أرفق الناس مع أهله وأقاربه ورحمه ، ، فعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ........"
وقال صلى الله عليه وسلم " وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"
وكان صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر يقوم بأعمال المنزل ويساعد أهله في كل صغيرة وكبيرة، كما تروي زوجته عائشة رضي الله عنها فتقول: "كان يكون في مهنة أهله"
ولما علم ان السيدة ميمونة رضى الله عنها اعتقت وليدة كما جاءعَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، " أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً ، وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ ، قَالَتْ : أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي ، قَالَ : أَوَفَعَلْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ " .
ولما جاءه رجل يشكو اليه قطيعة رحمه كما جاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَجُلًا ، قَالَ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ "مسلم
وفى أمانته حدث ولا حرج، فقد بلَغَ مِنْ أمانتِهِ صلى الله عليه وسلم مِا أَمَرَ بهِ عليًّا رضيَ اللهُ عنهُ أَنْ يَبِيتَ فِي فراشِهِ ليلةَ الهجرةِ لِيَرُدَّ ودائعَ المشركينَ إليهِمْ مع أنهم ناصبوه العداء ،وتربصوا به الشر إلا أن كل ذلك لم يكن مانعا لرد الأمانات إلى أهلها فهو القائل " أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ "
كما عُرِف صلى الله عليه وسلم بين قومه قبل بعثته بالصادق الأمين ؛ فها هي القبائل مِن قريش لما بنت الكعبة حتى بلغ البنيان موضع الركن -الحجر الأسود- اختصموا فيه، كلُّ قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون القبيلة الأخرى حتى تخالفوا وأعدُّوا للقتال، فمكثت قريش على ذلك أربع ليالي أو خمسًا، ثمَّ تشاوروا في الأمر، فأشار أحدهم بأن يكون أوَّل مَن يدخل مِن باب المسجد هو الذي يقضي بين القبائل في هذا الأمر، ففعلوا، فكان أوَّل داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمَّد، فلمَّا انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((هلمَّ إليَّ ثوبًا، فأُتِي به، فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثمَّ قال: لتأخذ كلُّ قبيلة بناحية مِن الثَّوب، ثمَّ ارفعوه جميعًا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده، ثمَّ بنى عليه)) .
أما عن عفوه ورحمته فلا نستطيع أن نجمع جوانب رحمته صلى الله عليه وسلم ، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ارحم الخلق قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )الأنبياء107
ففي جانب الدعوة كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل الطرق و أرأفها و ارحمها ، قال تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )النحل
فان السبب الذي جمع الناس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أبدًا قوة السلطان، ولا سطوة السلاح.. إنما الذي جمعهم حقيقةً - كما ذكر ربنا - هو رحمة الله التي ألانت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران159
والناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد تلكم الرحمة فى نطاق الأفعال لا الأقوال، فعن أَبى هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ " ،
و عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ : إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا , فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ , فَزَجَرُوهُ , قَالُوا : مَهْ مَهْ , فَقَالَ : " ادْنُهْ " , فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا , قَالَ : فَجَلَسَ , قَالَ : " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ " , قَالَ : لَا وَاللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ " , قَالَ : " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ " , قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ , قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ " , قَالَ : لَا وَاللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ , قَال : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ " , قَالَ : لَا وَاللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ , قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ " , قَالَ : لَا وَاللَّهِ , جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ , قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ , قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ , وَقَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ , وَطَهِّرْ قَلْبَهُ , وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " , فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ .
حتى فى الحروب والعلاقات الدولية دعا المصطفى صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى المعاملة الحسنة ،فلقد أسس الإسلام مبادئ ووضع ضوابط للعلاقات والحروب والغزوات لم تعرفها الأمم مسبقا من الرحمة بالأسير، و عدم التمثيل بالمقتول ،وعدم قطع الأشجار ،و عدم قتل الشيوخ ،وعدم هدم الصوامع
فعن رباح بن الربيع بن صيفي الأسيدي قال كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في غزوةٍ فرأى الناسَ مُجتمِعينَ على شيء فبعث رجلًا فقال انظُر علامَ اجتمع هؤلاءِ فجاء فقال على امرأةٍ قتيلٍ فقال ما كانت هذه لِتقاتلَ قال وعلى المُقدِّمةِ خالدُ بنُ الوليدِ فبعث رجلًا فقال قُلْ لخالدٍ لا يَقتلَنَّ امرأةً ولا عسيفًا
والعجب كل العجب أن نجد مظلة الأخلاق النبوية تمتد لترفرف على من ناصبوه العداء وحاربوه وفعلوا معه كل ما يستطيعون من الكيد والإيذاء، فها هو صلى الله عليه وسلم يدخل مكة بجيشه العظيم الذي أعجز أهل مكة أن يقاوموه – مجرد مقاومة- فيسمع سعد بن عبادة (رضي الله عنه) يقول مزهوًا: "اليوم يوم الملحمة"، فيردّ النبي (صلى الله عليه وسلم): "بل اليوم يوم المرحمة"! ثم تأتي لحظة النصر فيقف أهل مكة جميعًا أمامه خاضعين مستسلمين ينتظرون أيَّ قضاء يقضي فيهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فيقول لهم: "مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟ ". قَالُوا : خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ : " اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"، قالها لهم وفيهم الذين حاصروه هو ومن معه ثلاث سنوات، يمنعون عنهم الطعام فمات من مات معه من الصغار والكبار ، وفيهم الذين قتلوا عمه حمزة (رضي الله عنه) ومثلوا بجثته وحاولوا أكل كبده، وفيهم الذين باتوا يدبرون له المكايد.
فمن سماحة الرسالة المحمدية أنها لم تقتصر في الحث على الأخلاق الطيبة مع المسلمين فحسب بل شملت من كانوا على غير الإسلام ، فقد قال تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة8
و قال صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم " أَيُّمَا رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا "صحيح بن حبان
فإذا كان هذا حاله صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين فكيف يقول قائل بحل دماء وأعراض وأموال المسلمين ؟ ! وقد جاء عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ رضي الله عنه قال : إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
فمن هنا يتبين لنا أن ما نراه من اغتصاب للأموال، وهتك للأعراض ،و سفك للدماء ليس من الرسالة المحمدية في شئ ،والإسلام منه براء ومن قال غير ذلك فقد القي الافتراءات والأكاذيب على دين الله؛ فان كان الإسلام نفى الإيمان عن العبد بمجرد إيذاءه لجاره إذ يقول صلى الله عليه وسلم "و الله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه .صحيح الجامع ‌
ونفى الإسلام عن من رفع السلاح في وجه المسلم لمجرد الترويع و إلارهاب فقال صلى الله عليه وسلم " من حمل علينا السلاح فليس منا "
،بل نهى الإسلام عن قتل الحيوان بغير حق،.... فكيف يرضى بالقتل و الدمار و الخراب و الإرهاب وأهله (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) القلم36
وقد قال تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )النساء93
وقد قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة33
فأين هؤلاء من أخلاق رسول الله ؟ وأين هؤلاء من سماحة رسول الله ؟... فو الذي نفسي بيده إن الألسنة لتعجز عن وصف أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ومكانه ومكانته عند ربه جل وعلا ، ولله در القائل
بماذا أصفك وكـــــــــــــــــــــــــــل *** الوصف في حقك قليــــــــــــــل
بالصدق أم بالأمانــــــــــــــــــــــــة *** أم بكونك جـميـــــــــــــــــــــــل
بالكرم أم بالخلق الرفـــيــــــــــــــع *** أم بالنسب الأصـيــــــــــــــــــل
أم أصفك بالحبيــــــــــــــــــــــب أم *** بالمصطفى أم بالخلــيــــــــــل
أم أصف شوق المحبين لرؤيـــــاك *** وكيف الدموع لذكراك تسيــل
تعددت صفاتك ياسيدي فـــــــــــــلا *** وســــيلة لعدها ولا ســـبيــــل
قد عــدت لدرب الله تائبا فعســـــى **** أن يكون حبي لك هو الدليل
رباه قد ملأ قلبي بحبك وحـب نبيك *** فـــهل تقبل قلبي الذليــــــــــل
أيها المسلمون
لقد اهتم الإسلام اهتماما بالغا بسلوك العبد وأخلاقه في كل جوانب الحياة ويظهر ذلك في دعوات القران الكريم إلى حسن الخلق كما يظهر عمليا في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم
:- ففي جانب الكلمة حث الإسلام على انتقاء أحسن الكلمات وأجمل الألفاظ ، قال تعالى (َوقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)البقرة 83
وقال تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً )الإسراء53
وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " البخاري
وفى جانب المعاملات المالية، فربما طغى حب المال على الإنسان فتجاوز الحد ووقع في المحرم، فيأتي الإسلام للتأكيد على أهمية ضبط ذلك بالأخلاق الفاضلة، ومن هذه التأكيدات:
ينهى الإسلام عن التجاوز والظلم في الموازين ويتوعد من فعل ذلك بأشد العقوبات، كما قال تبارك وتعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين: 1-3).
و يحث على السماحة واللين في البيع والشراء، كما قال صلى الله عليه وسلم " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى " البخاري .
و يحذر من أكل أموال الناس بالباطل ،ومن الغش، والتدليس
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) النساء29
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا ، فَقَالَ : " مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ " ، قَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ ، مَنْ غَشَّ ، فَلَيْسَ مِنِّي " رواه مسلم .
وفى جانب إدارة الأعمال والوظائف وتولى أمور الناس حث الإسلام على العمل والتقدم والرقى والازدهار كما حث على إتقان العمل قال تعالى (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }التوبة105
كما حث كل من ولى من أمر المسلمين شيئا آن يرفق بهم وان يعمل من اجلهم و أن ييسر عليهم ولا ينقض عهد ولا يخون أمانة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " مسلم
وفى جانب المعاملات مع الناس حث الإسلام على طيب النفس وحسن سلوكها وعدم إيذاء الناس بقول او فعل
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 11-12].
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَيسَ المُؤمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
ومن هذا وغيره الكثير يتبين أن الإسلام قد اهتم اهتماما بالغا بتهذيب النفس وتربيتها على السلوك الحسن والأخلاق الفاضلة
الإخوة الأخيار
لقد أعلى الإسلام مكانة أصحاب السلوك الحسنة ورفع شانهم
فخيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه،فقد قال تعالى ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]
وعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ ؟ فَقَالَ : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " مسلم .
و قال صلى الله عليه وسلم " خياركم أحاسنكم أخلاقًا " متفق عليه
ومن ثم فما من شئ أثقل فى ميزان العبد من حسن أخلاقه ورقى سلوكه ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " (صحيح الترمذي
فالأخلاق الحسنة هي شِعار المؤمنين، وحِليَة المحسِنين، وسِلاح المجاهِدين، وسببٌ لطيب الحياة والفوز والفَلاح والسعادة وعلو الدرجات في الدارَيْن، وهي زينة المؤمن في الدنيا، وسبب دخول الجنة في الآخرة ، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ" السلسلة الصحيحة
و قال صلى الها عليه وسلم " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ" شعب الإيمان للبيهقي
فالأخلاق هي المعيار الذي يرتفع به العبد في الدنيا وفى الآخرة ، فلقد أجبرت ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم " يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ ، " فلما قدم مكة " قَالَ لَهُ قَائِلٌ : صَبَوْتَ ، قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . بل هي أساس لعمارة الأرض واستقرار الأسر والمجتمعات ،لذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " .
وإذا سألت من اقرب الناس مجلسا من الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة لوجدت أن أحسن الناس أخلاقا هم اقرب مجلسا إلى الرسول وأحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) رواه الترمذي
فلا يتطلب الأمر بسطة في الجسم ،ولا جاهًا ،ولا مالا،ولا كثرة أولاد، ولا جمالا ،ولا منصبا ؛فقد قال صلى الله عيه وسلم " إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلا إِلَى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ، التَّقْوَى هَا هُنَا " وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ ، "
وعليه فإن الأمر يتطلب سلوكا طيب به يصل العبد مراتب الصائم القائم ،كما بين ذلك صلى الله عليه وسلم إذ يقول :" إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ" سنن أبى داود - قال الالبانى صحيح
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ؛ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ" البخاري
فهذه المرأة مع فحش فعلها و عظم جرمها إلا أن أخلاقها سادت فقادتها الى مغفرة الله ورضوانه ومن ثم فإن لتلك الأخلاق الحميدة والسلوك الحسنة أثرا طيبا على العبد كما أن سوء السلوك له أثره السيئ على العبد فإذا ساءت سلوك العبد فسد عمله كما قال صلى الله عليه وسلم "وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ".السلسلة الصحيحة للالبانى
فإذا ضاعت الأخلاق والقيم ضاعت الحسنات والدرجات ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " .
كما أن السلوك لها أثرها على المجتمع إذ أن الأخلاق هي الأساس لبناء المجتمعات فالسلوك الحسنة من شأنها أن تبني مجتمعًا محصنًا لا تنال منه عوامل التردي والانحطاط، وليس ابتلاء الأمم والحضارات كامنًا في ضعف إمكانياتها المادية أو منجزاتها العلميَّة فحسب ،بل إنما و في قيمتها الخلقية التي تسودها وتتحلى بها ،ومن ثم فان للأخلاق أهمية بالغة في سعادة أي مجتمع وشقائه، فكلما كان المجتمع متمسكا بالأخلاق الفاضلة كان استقراره وأمنه متحققا،فالأخلاق من أهم أسبابِ المودة، قال تعالى -: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].
وكلما ابتعد المجتمع عن الأخلاق الفاضلة وتحول إلى الأخلاق السيئة زاد شقاء المجتمع واضطرابه وعدم استقراره، ومن ثم فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية، لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، ومتى فقدت الأخلاق التي هي الوسيط الذي لابد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان، تفكك أفراد المجتمع، وتصارعوا، وتناهبوا مصالحهم، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار، ثم إلى الدمار، اى أن الأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، قال تعالى -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16]
يقول الشاعر:
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
من الممكن أن تتخيل مجتمعًا من المجتمعات انعدمت فيه مكارم الأخلاق كيف يكون هذا المجتمع؟!
كيف تكون الثقة بالعلوم، والمعارف، والأخبار، وضمان الحقوق لولا فضيلة الصدق؟!
كيف يكون التعايش بين الناس في أمن واستقرار، وكيف يكون التعاون بينهم في العمل ضمن بيئة مشتركة، لولا فضيلة الأمانة؟
كيف تكون أمة قادرة على إنشاء حضارة مثلى لولا فضائل التآخي، والتعاون، والمحبة، والإيثار؟
كيف تكون امة مؤهلة لبناء مجد عظيم لولا فضيلة الشَّجَاعَة في ردِّ عدوان المعتدين وظلم الظالمين، ولولا فضائل العدل والرحمة والإحسان والدفع بالتي هي أحسن؟!
كيف يكون الإنسان مؤهلًا لارتقاء مراتب الكمال الإنساني إذا كانت أنانيته مسيطرة عليه، صارفة له عن كلِّ عطاء وتضحية وإيثار؟
ومن ثم فانَّ انهيار القوى المعنوية للأم والشعوب ملازم لانهيار أخلاقها، ومتناسب معه، فبين القوى المعنوية والأخلاق تناسب طردي دائمًا، صاعدين وهابطين.
وذلك لأنَّ الأخلاق الفاضلة في أفراد الأمم والشعوب تمثل المعاقد الثابتة التي تعقد بها الروابط الاجتماعية، وصدق الله العظيم القائل (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) الإسراء 16.
وإذا كنا نسعى إلى الاستقرار ودوام الأمن والأمان وننادى به فان هذا لن يتحقق ألا بوجود الأخلاق الحسنة التي تبنى ولا تهدم ،وتجمع ولا تفرق ،و توحد ولا تشتت ، وعليه نقول ما أحوجنا اليوم أن نرجع إلى طيب الأخلاق و حسن السلوك التي هي سبيل النجاح والفلاح قال تعالى ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) الشمس7-10
ما أحوجنا أن نتمسك بوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول " اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ "
ما أحوجنا إلى أن نعيش بالقلب والجوارح معاني هذه الوصية النبوية ،ما أحوجنا إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ،وان نأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، وأخلاقه، وعبادته ومعاملاته، ودعوته وتعليمه، وفي سائر أحواله، قال تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب21

===========
========
======
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ،رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ،رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ،وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنَا ،وَارْحَمْنَا،
اللهم اجعل مصرنا بلدا آمنا ،مطمئنا ، اللهم من أرادها بخير فوفقه إلى كل خير ، ومن أرادها بسوء فأجعل كيده في نحره .
والحمد لله رب العالمين ،وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.

==========
كتبـه
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
دسوق – كفر الشيخ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مطلوب إمام مسجد في أمريكا بالشروط التالية

مطلوب إمام مسجد في أمريكا بالشروط التالية: فرصة عمل : إمام لمسجد دار السلام في مدينة أرلنجتون تكساس - الولايات المتحدة الأمريكية المؤهلات المطلوبة:  1 - حفظ القرآن الكريم كاملا بصوت حسن  2 - حاصل على الدكتوراة في الشريعة الإسلامية  (الفقه أو التفسير أو الحديث...) 3 - يجيد التكلم باللغتين العربية والإنجليزية (أو على الأقل يمكنه التواصل باللغة الإنجليزية) 4 - ذو خبرة في التعامل مع الأطفال والشباب الرجاء إرسال صور عن السيرة الذاتية والشهادات الجامعية والخبرة وتسجيل صوتي من تلاوة القرآن الكريم على البريد الإلكتروني: Search_darelsalam@yahoo.com

تحميل وطباعة جدول الدروس اليومية لكل إمام مسجد تصميم رائع

الشيخ يونس صابر تحميل وطباعة جدول الدروس اليومية لكل إمام مسجد - تصميم رائع من تصميم الشيخ يونس صابر من مديرية أوقاف القاهرة - شمال القاهرة التحميل من خلال هذا الرابط http://www.mediafire.com/?l6iogw0wntyj99h تحميل وطباعة جدول الدروس اليومية لكل إمام مسجد - تصميم رائع

لائحة التفتيش في وزارة الأوقاف

لائحة التفتيش في وزارة الأوقاف مقدمة لائحة التفتيش في وزارة الأوقاف اضغط هنا أعمال التفتيش اضغط هنا تعليمات يجب مراعاتها بكل دقة اضغط هنا واجبات المفتش المساعد اضغط هنا واجبات المفتش الأول اضغط هنا واجبات ومسئوليات مدير الإدارة اضغط هنا الاجتماعات والتقارير اضغط هنا خاتمة اضغط هنا